الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

استقالة من الدُنيا - من كتاب رسائل من هُناك لـ خالد المصرى

ملحوظة : نًشرت هذه المقالة من قَبل ؛ ولكن وضعتها هُنا بعد التعديل على بعض الكلمات فيها ونشرها فى كتاب رسائل من هناك

من الممتع أن تعيش لأجل الآخرين، تهبُ لهُم حياتُك، وفى أشدِ الأوقات تعطيهم الاهتمام؛ من الممتع ان تستمتع بأنك الأب الحامي لكلِ من حولك، ومن الممتع ان تكن الأخ المساند لكل الأصدقاء؛  ممتعة جدا الحياة عندما لا تعيشها لنفسك، وعندما تهبها لمن حولِك؛ متعة النظر إلى العينين المبتسمة لك أن أزلت عنها الدموع، والهموم، قد تمنحك أنت ايضاً خط مرسوم على شفتيك, أو ابتسامة منكسرة من العَدم, وان تشعر بأن أصدقاؤك هُم سِر وجودك, ان تحمِل رسالة لإسعاد الآخرين، ويكون لديك الإيمان، والقناعة الكافية, أنك ما أتيت لهذه الدُنيا مُعَمراً، ولكن ما أنت فيها إلا رسالة, أو عابرِ سبيل .
لكن أسفاً انه على قدر المتعة، والسعادة، التي تمنًحها للآخرين, تَجدُ حزناً يَكبُر في صدرك، وطفل يصرخ مِن الأعماق حرمان، إن هذه الابتسامة الخافتة المرسومة على وجهك، والتي تبدواْ وكأنها منهكة القوى خارجة من بين أضلُعِ صارخة بالألم لا تصَدق بأنه قد آن لَها ان تَنطَلق لتكون من نصيب أخرين, غير هذا الجسد المنهك،  والصاحب الحزين؛ الوقوف صموداً في دَور الأب الحاني على الجَميع, وعِندما يناديكَ أندادُك بأبي؛ وأنت لم تَقضى في الدُنيا اياماَ اكثرُ منهم عدداً, تكون فرحةً كاسرة؛ على قدر الفرحة بأنك مَصدرٌ الأمان، والاطمئنان للآخرين, إلا انكَ تشعُر بافتِقار إلى ما تَمنَح أنت, قديماَ قالواْ فَاقدُ الشيء لا يُعطيه, ولكن أقولً بأن مفتقد الشيء هو أكثرُ من يُعطيه .
عَندما تُمضى يوماً طويلاً مزدحماً بالأشخاص توزع الفرحة كأنك مندوب شركة السعادة الاكثر نشاطاً, ومن ثمّ تَعودُ ليلاً تخلع بذلتُك، وحٌلة توزيع الفرحة على من حولِك، و قد نفذ ما لديك من مُؤن الحياة، من سعادة، وابتسامة، وفرحة, فكلها كانت من نصيب آخرين؛ بكل جدارة وبكلِ فرحة تهديها لمن حَولك، ولكن لا تملك أن تبقى لنَفسك القليل منها، لتسعد به أنت, وتأتى منزلك لتكشف الثياب عنك, أول ما تنظر إليه سكينُ راسخة في القلب, وجسد مغطى بالدماء, وأطراف ترتعش ألماً, وقدمان يغشى عليما سقوطاً، وجثياً على الأرض, منهكة من كثرة الاحتمالِ والتماسُك طيلة النهار, ولا يسعهما إلا ان يتوضأ بدمع العين الدافئة، يغسلا الجسد من نزيف الألم, قبل ان تشرق شمس اليوم الجديد, ويحين ميعاد توزيع السعادة, وقبل ان يرى أحد في ضوء النهار الألم في عينيه محتجزاً؛ فيكون سبباً في إخفات ابتسامة من على وجه إنسان .
فلا يحِق لهذا الأب ان يطلُب بِراً ممن يستهلكون كل ما لديه من سعادة، وانتشاءُ بالسعي لإسعادهم؛ إن كانَ من حًق فأقلها يد تَلوح ليلا من خلف الظَلام, تَكسِر صمت كهوف الوحدة القـاتلة؛ ولكِن مَن إعتادَ على الإسعاد بكل حُب يَقتله الحٌب إن جاء رداً لجميلٍ, أو جزاء صنيعِ يقدمه فقط, ومن إعتاد على العطاء فلا حَق له أن يأخذ, ومن يُفلس فلا بد لهٌ والرحيل, فلقد نفذت جعبته, وأضحى بكل مدخرات السعادة .
لكم انت قاسية أيتها الدنيا, جعلتنا بالعشق قتلى، وبالفرح ثكلى, وجعلتنا أرجوحة يتطاير على ظهرها الآخرون في الهواء فرحاً، وما أن كُثرت أشعلت فيها النيران لتدفئ شتاء غيرهم, وما بقى من رمدها, لن يكون إلا نصيباً تطايره الرياح، أو حظاً للأقدام, معذبون نحن فيك ايتها الدنيا , فقبل ان نحترق دعينا نستقيل؛ ونرحلُ إلى السماء, فرب السماءِ على العطاء تجزنا خيراً, ورب حياة بالأعلى تنتظرنا أفضل, فلم يعد لكِ منا نفعُ, فـ مخازن الفرحِ عِندنا قد فرغت, و قلوبنا الحاوية للحُب بألف ارتطام قد كسرت, وهذه العين لم تعد قادرة على إرسال بريق المحبة، فالدموع سحب غائمة عليها، والحرقة تضعفها, وابتسامتنا جفت وصارت كجرح عميق في الوجه يؤلمه, فهذه أسباب إقالتنا أيتها الدنيا, فأسمحي لنا بالرحيل .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More