الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

عهد العشق القديم - من كتاب رسائل من هناك لـ خالد المصرى


هنا في مكاني الآن في عزلة عن العالم كٌله بين أربع جدران مغلقة بغرفة نائية عن ربوع المنزل كاملة، أمضيت فيها الآن عدة ساعات في حالة من الانعزال الكامل والتام عن العالم الخارجي .
في هذه الآونة وهذه اللحظات التي أكتب لكم فيها استعيد بأدراج ذاكرتي العهد القديم لي انا وقلمي والعشق؛ حقيقة الأمر تطور قليلاُ فملامحي كبرت قليلاً عما كانت عليه, منذ ايام لم ارى نفسى في المرآة؛ ولا حتى اعرف ما حالتي الآن؛ ولكن ما احسسته بيدي لما مررتها على راسي وانا امسك القلم, وانزلقت على وجهى لا المس فارق كبير بينهم اشعر، أنى الآن اشبه بإنسان الغاب الأشعث.
ولكنى على ما يرام فارق ايضاٌ في هذه الحالة؛ لم أرنى من زمن تغيرات طرأت, ولكن اراني بعد غياب اشتقاني جداً, ويدى تلتف حولي تأخذني في عناق المشتاق, فقد القلم, ومطوية, الأوراق, والأجندة التي كنت ادون فيها قديماً؛ فلقد تبدلت الآن بالحاسوب, واللمبة الصغيرة التي كنت اشق بها ظلام الغرفة ليلاً أغنى عنها الآن نور الشاشة امام عيني, أجد منى كلام اكثر مما في دفاتري القديمة فقد كنت اكتب سابقاً بإصبع وإبهام الآن أكتب بعشر أصابع, دعوتي ان تجدني هذه العشر الليلة وتخرج ما اريد ان اقوله لكم !!


حلكة الظلام ارتحل الى حيث كنت من أعلى الغرفة, ارى نفسى مكان كنت جالساً منذ سنوات, وانا اكتب قصيدة لحبيبتي المجهولة التي طال انتظارها, المرأة التي كنت كلما قرأت عن قيس وليلى قلت مالك يا قيس ! بعد لم تأتى من تستحق الموت فليلى لن تكون اجمل منها, وكلما مررت على عنترة رفعت القلم
وناديت أي عنترة انتظرني يوما مبارز؛ أي عنترة لا تظن بأنك وحد في الحب فارس، أيـا عنترة بعد لم تأنى من سأقهر بحبها كل الفوارس، بعد يا عنترة من تستحق معلقة.
فأنتظر يا عنترة إني في العشق لك مبارز !
كنت اجمع الحروف الابجدية كلها, ثم اسقطها كل حرف مع الآخر؛ وانظر كم اسم ستخرج لي هذه الحروف، وأي أسم منها سيكون اسم حبيبتي، أي اسم سيحتل مكان اسم عبل وليلى ؟
كنت ابتسم لنفسي واضحك على حالتي وانا اكتب في الاوراق امامي, انا مجنون! حبيبتي المجهولة؛ اكتبها لنفسي قبل ان يكتبها لي غيرى, أقر وأعترف أنى صاحب هذه الأشعار رجل مجنون, آخذت حبيبته لُب عقله قبل ان يعرفها, وعمت عن كل النساء عينه قبل ان يرها وصَمت عن كل الكلمات اذنه قبل ان يسمعها , وأضحك واكتب امامي يا ضيعتي صِرت مجنوناً !

هي ذاتها حالتي الآن ولكن الفارق كبير؛ فلقد نزلت إلى الدنيا امرأة هي أجمل النساء " لا لا عذراً يا سادة فهي ليست امرأة وليست نساء! " ولكن اقولها فقط تصنيفاُ بيولوجياً لا أكثر فهي تشبه النساء " وهذ ايضاً غير صحيحة ! " يمكننا القول بأنها تشبه النساء , ويخون القلم الآن ولا يعرف ان يقول لكم أنها مختصر لكل النساء .
العزلة عن العالم الآن في حلكة الليل وظلامه كحالتي قديما, اردد أي حبيبتي انى مشتاق, الاشتياق القديم الذى عهدته قبل ان تأتى؛ ولكنى الآن أعرف اسمك, أعرف ملامحك, اعرف صوتك, اعرف طريقة انفاسك, اعرف, اعرف كل شيء الا أمراً واحداُ فقط, لا أعرف اين انا الآن! في الدنيا؟! ام انا الان ميت؟ هل خرجت من العالم ام بعد على قيد الحياة! الآن مضت أكثر من خمسين ساعة وانا منعزل عن الدنيا وملذاتها, متوقف عن الأكل وعن الطعام, جننت انا لا أعرف اريد أن اصبح عصفوراً يشرب الماء وفقط!
هل أتخلى الأن عن الجسد وارتقى بالروح ؟ عدت إلى العرجون القديم الذى كنت عليه وأعرف انى كدت أهلك, أو ربما الآن آنا هلكت فأنا لست مدرك الآن اين أكون ؟ غيبوبة, أو نوم عميق, أو ربما انتقلت إلى حياة أخرى أحدث فيها العالم بعد الرحيل! أهي معجزة الحب؟! أيجعلنا العشق نرسل رسائل بعد الرحيل!

الحب يسمح لنا بالتحدث والكتابة بعد ثبات الجسد وفنائه ؟! ولكن يقين انى حي الان كنت او ميتاً؛ أكتب حالتي كما هي لست مضطر أبداً لأن اكتب أحرفاً منمقة حتى تكون وفق النغمة والوزن والقافية, لست مطراً الآن إلا ان استدعى القلب والروح وأوقفهم لأسمع اقوالهم, واكتب خلفهم كمحقق النيابة كل حرف يقولون لأغلق الحديث بساعته وتاريخه, واعرض ملف قضيتي على عدالة الحب وقضاءه .

ان أخبرك أحد ان رجل مجنون يحبكِ فلا تنكري, اعترفي سريعاً؛ نعم مجنون يحبني! فالجنون في عالمي فلسفة, والفلسفة يا حبيبتي قضايا, ومبدأ, والقضية أنت, والعالم أنت, والمبدأ أنت, فالفلسفة أنت, والجنون أنتِ .. !
ترين يا حبيبتي كلانا في النهاية جنون , فما اعظم الجنون وما اجمله مصاب انا بكِ يا جنوني .
يقولون حالم خيالي أفلاطوني سيقولون كثيراً وكثيراً لا تبالى؛ فقد قالواْ عنك قبل ان تأتى حلم, وقالوا عنك خيال, وقالو عنك حلم الشاعر, وقالوا عنى هاجس وقالوا انك غير حقيقة وقالوا انك لست انسية وقالو وقالوا ؛ فلا تبالى ..!
ذكرت اتهامكم القديم لي عندما حدثتكم قديماً عنها قبل ان تأتى, كان لزماً على ان اخبرها بكل الاتهامات التي توثقت بها وحملتها على عاتقي سنوات كثير حتى جاءت واثبتُ بها أنى من ادعائهم بريء وايقن العالم انى لم اكن حالماً ولم تكن حلم الشاعر .

اعلم الدنيا بأن الحب إيمان, وأن الحب فناء, وان الحب يستدعى ان تكون مغواراً مستعداً للقتال, للجدال, للحرب؛ وربما للتدمير! بأن الحب يجعل من الإنسان سلطان, في أعظم مملكة بأعظم الجيوش, يزرع رغبة في احتلال العالم, وثقة لحكم الارض .
تخليت عن الجسد؛ وصعدت بمحبتكِ الى عالم الروح, فمعدتي الآن ايقنت بأن لا وقت لطلب الطعام, ويئست من دعائه, وعرفت بأنى لست مجيباً الا لنداء الروح.
إنها حالة الوعى واللاوعي, حالة الشعور واللاشعور؛ كالحالة ما بين الموت والحياة, ترى, تسمع, تشعر بكل شيء, ولكن لا ردة فعل منك, انا الان اراني تركت جسدي على هذا الكرسي, وخرجت اهوم حوله, وروحي ترسل رسائل الحب السرية لكِ؛ وتكبت أحرفاُ لا اعرفها ولا املكها .
نجحت في اثبات انك لست فقط اهم من في الدنيا, وانك لست فقط اغلى ما في الدنيا, وأنكِ لست فقط حبيبتي؛ بل انكِ نفسى وذاتي, بل اهم منهما, اثبت نظرية بأن الحب هو الفناء في المحبوب, وان الحب هو الموصل الوحيد لأعلى دراجات الاتصال الروحي وبان الحب يصنع الفلسفة .
لا اشعر بشيء في الدنيا ابداً؛ ولا اشعر هل انا هنا؟ ام من ذا الذى يكتب الآن عنى وعن حالتي, هل هذا انا الذى يكتب الآن لكم؟ كيف كنت وكيف صرت إن صورة منى تكتب لكم تأريخ قصتي بعد الفناء والذهاب الى دنيا الروح.

الجسد الماثل امام هذه الشاشة الصغيرة جهاز استقبال للرسائل التي ارسلها لكم من هناك حيث انـا الآن!.
ضعتُ لئن عدت سأقول لكم كيف كان العالم هنا
وإن لم أعود فيكفيكم ان تعرفواً إلى أين أنا رحلت عنكم . !

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More